فصل: قال البيضاوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن جزي:

سورة النازعات:
اختلف في معنى {النازعات} و{النشاطات} و{السابقات} و{السابحات} و{المدبرات}، فقيل: إنها الملائكة وقيل: النجوم، فعلى القول بأنها الملائكة سماهم نازعات؛ لأنهم ينزعون نفوس بني آدم من أجسادها، وناشطات لأنهم ينشطونها أي يخرجونها فهو من قولك: نشطت الدلو من البئر: إذا أخرجتها وسابحات لأنهم يسبحون في سيرهم، أي يسرعون فيسبقون فيدبرون أمور العباد والرياح والمطر وغير ذلك حسبما يأمرهم الله.
وعلى القول بأنها النجوم سماها نازعات لأنها تنزع من المشرق إلى المغرب، وناشطات لأنها تنشط من برج إلى برج، وسابحات لأنها تسبح في الفلك ومنه: {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس: 40] فتسبق في جريها فتدبر أمراً من علم الحساب، وقال ابن عطية: لا أعلم خلافاً أن المدبرات أمراً الملائكة، وحكى الزمخشري فيها ما ذكرنا. وقد قيل في {النازعات} و{الناشطات} أنها النفوس، تنزع من معنى النزع بالموت، فتنشط من الأجساد، وقيل: في {السابحات} و{السابقات} أنها الخيل وأنها السفن {غرقاً} إن قلنا {النازعات} الملائكة ففي معنى {غرقاً} وجهان: أحدهما: أنها من الغرق أي تغرق الكفار في جهنم، والآخر: أنه من الإغراق في الأمر، بمعنى المبالغة فيه، أي تبالغ في نزعها فتقطع الفلك كله، وإن قلنا إنها النفوس، فهو أيضاً ن الإغراق أي تغرق في الخروج من الجسد، والإعراب غرقاً مصدر في موضع الحال، ونشطاً وسبحاً وسبقاً مصادر، وأمراً مفعول به، وجواب القسم محذوف، وهو بعث الموتى بدلالة ما بعده عليه من ذكر القيامة، وقيل: الجواب: {يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة} على تقدير حذف لام التأكيد، وقيل: هو: {إن ذلك لعبرة لمن يخشى} وهذا بعيد لبعده عن القسم، ولأنه إشارة إلى قصة فرعون لا لمعنى القسم.
{يوم ترجف الراجفة تَتْبَعُهَا الرادفة} قيل: {الراجفة} النفخة الأولى في الصور، و{الرادفة} النفخة الثانية: لأنها تتبعها ولذلك سماها رادفة، من قولك: ردفت الشيء إذا تبعته، وفي الحديث: «أن بينهما أربعين عاماً»، وقيل: {الراجفة}: الموت و{الرادفة}: القيامة، وقيل: {الراجفة} الأرض، من قوله: {ترجف الأرض والجبال} [المزمل: 14] و{الرادفة} السماء لأنها تنشق يومئذ. والعامل في {يوم ترجف} محذوف وهو الجواب المقدر تقديره: لتبعثن يوم ترجف الرجفة، وإن جعلنا: {يوم ترجف}، الجواب فالعامل في يوم معنى قوله: {قُلُوبٌ يومئِذٍ وَاجِفَةٌ} وقوله: {تَتْبَعُهَا الرادفة} في موضع الحال، ويحتمل أن يكون العامل فيه {تتبعها} {قُلُوبٌ يومئِذٍ وَاجِفَةٌ} أي شديدة الاضطراب، والوجيف والوجيب بمعنى واحد، وارتفع قلوب بالابتداء وواجفة خبره، وقال الزمخشري: {واجفة} صفة، والخبر: {أبصارها خاشعة} {أَبْصَارُهَا خاشِعة} كناية عن الذل والخوف، وإضافة الأبصار إلى القلوب على تجوز، والتقدير: قلوبُ أصحابها.
{يَقولونَ أإنا لَمَرْدُودُونَ فِي الحافرة أَإذَا كُنَّا عِظَاماً نخرة} هذا حكاية قول الكفار في الدنيا، ومعناه على الجملة إنكار البعث، فالهمزة في قوله: {أئنا لمردودون} للإنكار. ولذلك اتفق العلماء على قراءته بالهمزتين، إلا أن منهم من سهَّل الثانية ومنهم من خففها. واختلفوا في {أإذ كنا عظاماً نخرة} فمنهم من قرأه بهمزة واحدة لأنه ليس بموضع استفهام ولا إنكار، ومنهم من قرأه بهمزتين تأكيداً للإنكار المتقدم، ثما اختلفوا في معنى {الحافرة} على ثلاثة أقوال: أحدها أنها الحالة الأولى. يقال: رجع فلان في حافرته إذا رجع إلى حالته الأولى. فالمعنى أننا لمردودون إلى الحياة بعد الموت. والآخر أن {الحافرة} الأرض بمعنى محفورة فالمعنى أننا لمردودون إلى وجه الأرض بعد الدفن في القبور. والثالث أن {الحافرة} النار والعظام النخرة البالية المتعفنة، وقرئ {ناخرة} بألف وبحذف الألف وهما بمعنى واحد؛ إلا أن حذف الألف أبلغ لأن فَعَلَ أبلغُ من فَاعَل وقيل: معناه العظام المجوفة التي تمر بها الريح فيسمع لها نخير، والعامل في {إذا كنا} محذوف تقديره إذا كنا عظاماً نبعث، ويحتمل أن يكون العامل فيه: مردودون في الحافرة، ولكن إنما يجوز ذلك على قراءة إذا كنا بهمزة واحدة على الخبر، ولا يجوز على قراءته بهمزتين. لأن همزة الاستفهام لا يعمل ما قبلها فيما بعدها {قالواْ تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرة} الكرة الرجعة والخاسرة منسوبة إلى الخسران كقوله: {عيشة راضية}، أي ذات رضى أو معنى خاسر أصحابها ومعنى هذا الكلام أنهم قالوا: إن كان البعث حقاً فكرَّتنا خاسرة، لأنا ندخل النار.
{فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ} يعني النفخة في الصور للقيام من القبور. وهذا من كلام الله تعالى ردَّاً على الذين أنكروا البعث كأنه يقول: لا تظنوا أنه صعب على الله هو عليه يسير، فإنما ينفخ نفخة واحدة في الصور فيقوم الناس من قبورهم {فَإِذَا هُم بالساهرة} إذا هنا فجائية والساهرة وجه الأرض، والباء ظرفية والمعنى: إذا نفخ في الصور حصلوا بالأرض أسرع شيء.
{هَلْ أَتَاكَ} توقيف وتنبيه وليس المراد به مجرد الاستفهام {طوى} ذكر في [طه: 12] {اذهب إلى فِرْعَوْنَ} تفسير للنداء {هَل لَّكَ إلى أَن تزكى} أن تتطهر من الكفر والذنوب والعيوب والزذائل، وقال بعضهم: {تزكى} تسلم، وقيل: تقول لا إله إلا الله، والأول أعم.
{الآية الكبرى} قلب العصا حية، وإخراج اليد بيضاء، وجعلهما واحدة لأن الثانية تتبع الأولى، ويحتمل أن يريد الأولى وحدها.
{ثُمَّ أَدْبَرَ يسعى} الإدبار كناية عن الإعراض عن الإيمان، ويسعى عبارة عن جده في الكفر، وفي إبطال أمر موسى عليه السلام وقيل: هو حقيقة. أي قام من مجلسه يفر من مجالسة موسى أو يهرب من العصا لما صارت ثعباناً {فَحَشَرَ} أي جمع جنوده وأهل مملكته {فنادى} أي نادى قومه وقال لهم ما قال، ويحتمل أنه ناداهم بنفسه، أو أمر من يناديهم، والأول أظهر.
وروى أنه قام فيهم خطيباً فقال ما قال.
{فَأَخَذَهُ الله نكال الآخرة والأولى} النكال مصدر بمعنى التنكيل، والعامل فيه أخذه الله؛ لأنه بمعناه وقيل: العام محذوف، والآخرة هي: دار الآخرة، والأولى: الدنيا فالمعنى نكال الآخرة بالنار ونكال الأولى بالغرق.
وقيل: الآخرة قوله: {أنا ربكم الأعلى} والأولى قوله: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرِي} [القصص: 38] وقيل: بالعكس فالمعنى أخذه الله وعاقبه على كلمة الآخرة وكلمة الأولى.
{أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السماء} هذا توقيف قصد به الاستدلال على البعث فإن الذي خلق السماء قادر على خلق الأجساد بعد فنائها {رَفَعَ سَمْكَهَا} السمك: غلظ السماء وهو الارتفاع الذي بين سطح السماء الأسفل الذي يلينا وسطحها الأعلى الذي يلي ما فوقها. ومعنى رفعه أنه جعله مسيرة خمسمائة عام، وقيل: السَّمْك السقف {فَسَوَّاهَا} أي أتقن خلقتها وقيل: جعلها مستوية ليس فيها مرتفع ولا منخفض {وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا} أي جعله مظلماً يقال: غطش الليل إذا أظلم. وأغطشه الله {وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا} أي أظهر ضوء الشمس في وقت الضحى، وأضاف الضحى والليل إلى السماء من حيث إنهما ظاهران منها وفيها {والأرض بَعْدَ ذَلِكَ دحاها} أي بسطها، واستدل بها من قال: إن الأرض بسيطة غير كروية وقد ذكرنا في [فصلت: 11] الجمع بين هذا وبين قوله: {ثُمَّ استوى إِلَى السماء} {أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا} نسب الماء والمرعى إلى الأرض، لأنهما يخرجان منها.
فإن قيل: لم قال أخرج بغير حرف العطف؟
فالجواب: أن هذه الجملة في موضع الحال وتفسير لما قبلها قاله الزمخشري {والجبال أَرْسَاهَا} أي أثبتها، ونصب {الجبال} بفعل مضمر يدل عليه الظاهر وكذلك الأرض {مَتَاعاً لَّكُمْ} تقديره: فعل ذلك كله تمتيعاً لكم منه {وَلأَنْعَامِكُمْ} لأن بني آدم والأنعام ينتفعون بما ذكر.
{الطآمة} هي القيامة وقيل: النفخة الثانية واشتقاقها من قولك: طمَّ الأمر إذا علا وغلب.
{وَبرزت الجحيم لِمَن يرى} أي أُظهرت لكل من يرى، فهي لا تخفى على أحد.
{مَقَامَ رَبِّهِ} ذكر في سورة [الرحمن: 46] {وَنَهَى النفس عَنِ الهوى} أي ردها عن شهواتها وأغراضها الفاسدة قال بعض الحكماء: إذا أردت الصواب فانظر هواك وخالفه.
وقال سهل التستري لا يسلم من الهوى إلا الأنبياء وبعض الصديقين.
{أَيَّانَ مُرْسَاهَا} ذكر في [الأعراف: 187] {فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا} أي من ذكر زمانها، فالمعنى: لست في شيء من ذكر ذلك قالت عائشة رضي الله عنها: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن الساعة كثيراً فلما نزلت هذه الآية انتهى».
{إلى رَبِّكَ مُنتَهَاهَآ} أي منتهى علمها لا يعلم متى تكون إلا هو وحده {إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا} أي: إنما بعثت لتنذر بها، وليس عليك الإخبار بوقتها، وخص الإنذار بمن يخشاها؛ لأنه هو الذي ينفعه الإنذار {كَأَنَّهُمْ يوم يَرَوْنَهَا لَمْ يلبثوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} أخبر أنهم إذا رأوا الساعة ظنوا أنهم لم يلبثوا في الدنيا أو في القبور إلا عشية يوم أو ضحى يوم، وأضاف الضحى كذلك إلى العشية لما بينهما من الملابسة إذ هما في يوم واحد. اهـ.

.قال البيضاوي:

سورة النازعات:
مكية.
وآيها خمس أو ست وأربعون آية.
بسم الله الرحمن الرحيم
{والنازعات غرقاً والناشطات نَشْطاً والسابحات سَبْحاً فالسابقات سَبْقاً فالمدبرات أَمْراً}.
هذه صفات ملائكة الموت فإنهم ينزعون أرواح الكفار من أبدانهم غرقاً أي إغراقاً في النزع، فإنهم ينزعونها من أقاصي الأبدان، أو نفوساً غرقت في الأجساد وينشطون أي يخرجون أرواح المؤمنين برفق من نشط الدلو من البئر إذا أخرجها، ويسبحون في إخراجها سبح الغواص الذي يخرج الشيء من أعماق البحر، فيسبقون بأرواح الكفار إلى النار وبأرواح المؤمنين إلى الجنة، فيدبرون أمر عقابها وثوابها بأن يهيئوها لإدراك ما أعد لها من الآلام واللذات، أو الأوليان لهم والباقيات لطوائف من الملائكة يسبحون في مضيها أي يسرعون فيه فيسبقون إلى ما أمروا به فيدبرون أمره، أو صفات النجوم فإنها تنزع من المشرق إلى المغرب غرقاً في النزع بأن تقطع الفلك حتى تنحط في أقصى الغرب، وتنشط من برج إلى برج أي تخرج من نشط الثور إذا خرج من بلد إلى بلد، ويسبحن في الفلك فيسبق بعضها في السير لكونه أسرع حركة فيدبر أمراً نيط بها، كاختلاف الفصول وتقدير الأزمنة وظهور مواقيت العبادات، ولما كانت حركاتها من المشرق إلى المغرب قسرية وحركاتها من برج إلى برج ملائمة سمى الأولى نزعاً والثانية {نشطاً}، أو صفات النفوس الفاضلة حال المفارقة فإنها تنزع عن الأبدان {غرقاً} أي نزعاً شديداً من إغراق النازع في القوس، وتنشط إلى عالم الملكوت وتسبح فيها فتسبق إلى حظائر القدس فتصير لشرفها وقوتها من المدبرات، أو حال سلوكها فإنها تنزع عن الشهوات فتنشط إلى عالم القدس، فتسبح في مراتب الارتقاء فتسبق إلى الكمالات حتى تصير من المكملات، أو صفات أنفس الغزاة، أو أيديهم تنزع القسي بإغراق السهام وينشطون بالسهم للرمي ويسبحون في البر والبحر فيسبقون إلى حرب العدو فيدبرون أمرها، أو صفات خيلهم فإنها تنزع في أعنتها نزعاً تغرق فيه الأعنة لطول أعناقها وتخرج من دار الإسلام إلى دار الكفر، وتسبح في حربها فتسبق إلى العدو فتدبر أمر الظفر.
أقسم الله تعالى بها على قيام الساعة وإنما حذف لدلالة ما بعده عليه.
{يوم ترجف الراجفة} وهو منصوب به والمراد بـ: {الراجفة} الأجرام الساكنة التي تشتد حركتها حينئذ كالأرض والجبال لقوله تعالى: {يوم ترجف الأرض والجبال} أو الواقعة التي ترجف الأجرام عندها وهي النفخة الأولى.
{تَتْبَعُهَا الرادفة} التابعة وهي السماء والكواكب تنشق وتنشر، أو النفخة الثانية. والجملة في موقع الحال.
{قُلُوبٌ يومئِذٍ وَاجِفَةٌ} شديدة الاضطراب من الوجيف وهي صفة القلوب والخبر:
{أبصارها خاشعة} أي أبصار أصحابها ذليلة من الخوف ولذلك أضافها إلى القلوب.
{يَقولونَ أَءِنَّا لَمَرْدُودُونَ في الحافرة} في الحالة الأولى يعنون الحياة بعد الموت من قولهم رجع فلان في حافرته أي طريقه التي جاء فيها، فحفرها أي أثر فيها بمشيه على النسبة كقوله تعالى: {فِى عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} أو تشبيه القائل بالفاعل وقرئ: {في الحفرة} بمعنى المحفورة يقال حفرت أسنانه فحفرت حفراً وهي حفرة.
{أَئِذَا كُنَّا} وقرأ نافع وابن عامر والكسائي {إذَا كُنَّا} على الخبر.
{عظاما ناخرة} بالية وقرأ الحجازيان والشامي وحفص وروح {نخرة} وهي أبلغ.
{قالواْ تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسرة} ذات خسران أو خاسر أصحابها، والمعنى أنها إن صحت فنحن إذاً خاسرون لتكذيبنا بها وهو استهزاء منهم.
{فَإِنَّمَا هي زَجْرَةٌ واحدة} متعلق بمحذوف أي لا يستصعبوها فما هي إلا صيحة واحدة يعني النفخة الثانية.
{فَإِذَا هُم بالساهرة} فإذا هم أحياء على وجه الأرض بعد ما كانوا أمواتاً في بطنها، والساهرة والأرض البيضاء المستوية سميت بذلك لأن السراب يجري فيها من قولهم: عين ساهرة للتي يجري ماؤها وفي ضدها نائمة، أو لأن سالكها يسهر خوفاً وقيل اسم لجهنم.
{هَلْ أَتَاكَ حديث موسى} أليس قد أتاك حديثه فيسليك على تكذيب قومك وتهددهم عليه بأن يصيبهم مثل ما أصاب من هو أعظم منهم.
{إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بالواد المقدس طوى} قد مر بيانه في سورة (طه).
{اذهب إلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طغى} على إرادة القول، وقرئ: {أنِ اذهبْ} لما في النداء من معنى القول.
{فَقُلْ هَل لَّكَ إلى أَن تزكى} هل لك ميل إلى أن تتطهر من الكفر والطغيان، وقرأ الحجازيان ويعقوب {تزكى} بالتشديد.
{وَأَهْدِيَكَ إلى رَبّكَ} وأرشدك إلى معرفته.
{فتخشى} بأداء الواجبات وترك المحرمات، إذ الخشية إنما تكون بعد المعرفة وهذا كالتفصيل لقوله: {فَقولاَ لَهُ قولاً لَّيّناً} {فَأَرَاهُ الآية الكبرى} أي فذهب وبلغ فأراه المعجزة الكبرى وهي قلب العصا حية فإنه كان المقدم والأصل، أو مجموع معجزاته فإنها باعتبار دلالتها كالآية الواحدة.
{فَكَذَّبَ وعصى} فكذب موسى وعصى الله عز وجل بعد ظهور الآية وتحقق الأمر.
{ثُمَّ أَدْبَرَ} عن الطاعة.
{يسعى} ساعياً في إبطال أمره أو أدبر بعدما رأى الثعبان مرعوباً مسرعاً في مشيه.
{فَحَشَرَ} فجمع السحرة أو جنوده.
{فنادى} في المجمع بنفسه أو بمناد.
{فَقال أنا رَبُّكُمُ الأعلى} أعلى كل من يلي أمركم.
{فَأَخَذَهُ الله نكال الآخرة والأولى} أخذا منكلاً لمن رآه، أو سمعه في الآخرة بالإِحراق وفي الدنيا بالإِغراق، أو على كلمته {الآخرة} وهي هذه وكلمته الأولى وهو قوله: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مّنْ إله غَيْرِى} أو للتنكيل فيهما، أو لهما، ويجوز أن يكون مصدراً مؤكداً مقدراً بفعله.
{إِنَّ في ذَلِكَ لَعِبْرَةً لّمَن يخشى} لمن كان من شأنه الخشية.
{أأنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً} أصعب خلقاً.
{أَمِ السماء} ثم بين كيف خلقها فقال: {بناها} ثم بين البناء فقال: {رَفَعَ سَمْكَهَا} أي جعل مقدار ارتفاعها من الأرض أو ثخنها لذاهب في العلو رفيعاً.
{فَسَوَّاهَا} فعدلها أو فجعلها مستوية، أو فتممها بما يتم به كمالها من الكواكب والتداوير وغيرها من قولهم: سوى فلان أمره إذا أصلحه.
{وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا} أظلمه منقول من غطش الليل إذا أظلم، وإنما أضافه إليها لأنه يحدث بحركتها.
{وَأَخْرَجَ ضحاها} وأبرز ضوء شمسها. كقوله تعالى: {والشمس وضحاها} يريد النهار.
{والأرض بَعْدَ ذَلِكَ دحاها} بسطها ومهدها للسكنى.
{أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا} بتفجير العيون.
{ومرعاها} ورعيها وهو في الأصل لموضع الرعي، وتجريد الجملة عن العاطف لأنها حال بإضمار قد أو بيان للدحو.
{والجبال أرساها} أثبتها وقرئ: {والأرض والجبال} بالرفع على الابتداء، وهو مرجوح لأن العطف على فعلية.
{متاعا لَّكُمْ ولأنعامكم} تمتيعاً لكم ولمواشيكم.
{فَإِذَا جَاءتِ الطامة} الداهية التي تطم أي تعلو على سائر الدواهي.
{الكبرى} التي هي أكبر الطامات وهي القيامة، أو النفخة الثانية أو الساعة التي يساق فيها أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار.
{يوم يَتَذَكَّرُ الإنسان مَا سعى} بأن يراه مدوناً في صحيفته وكان قد نسيه من فرط الغفلة أو طول المدة، وهو بدل من {فَإِذَا جَاءتِ} و{مَا} موصولة أو مصدرية {وَبرزت الجحيم} وأظهرت.
{لِمَن يرى} لكل راء بحيث لا تخفى على أحد، وقرئ {وَبرزت} و{لمن رأى} و{لمن ترى} على أن فيه ضمير الجحيم كقوله تعالى: {إِذَا رَأَتْهُمْ مّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} أو أنه خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم أي لمن تراه من الكفار، وجواب {فَإِذَا جَاءتِ} محذوف دل عليه {يوم يَتَذَكَّرُ} أو ما بعده من التفضيل.
{فَأَمَّا مَن طغى} حتى كفر.
{وَءاثَرَ الحياة الدنيا} فانهمك فيها ولم يستعد للآخرة بالعبادة وتهذيب النفس.
{فَإِنَّ الجحيم هي المأوى} هي مأواه واللام فيه سادة مسد الإضافة للعلم بأن صاحب المأوى هو الطاغي، وهي فصل أو مبتدأ.
{وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ} مقامه بين يدي ربه لعلمه بالمبدأ والمعاد.
{وَنَهَى النفس عَنِ الهوى} لعلمه بأنه مرد.
{فَإِنَّ الجنة هي المأوى} ليس له سواها مأوى.
{يَسْئَلُونَكَ عَنِ الساعة أَيَّانَ مرساها} متى إرسَاؤهَا أي إقامتها وإثباتها، أو منتهاها ومستقرها من مرسى السفينة وهو حيث تنتهي إليه وتستقر فيه.
{فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا} في أي شيء أنت من أن تذكر وقتها لهم أي ما أنت من ذكرها لهم، وتبيين وقتها في شيء فإن ذكرها لا يزيدهم إلا غياً. ووقتها مما استأثر الله تعالى بعلمه. وقيل {فِيمَ} إنكار لسؤالهم و{أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا} مستأنف، ومعناه أنت ذكر من ذكرها أي علامة من أشراطها، فإن إرساله خاتماً للأنبياء أمارة من أماراتها، وقيل إنه متصل بسؤالهم والجواب.
{إلى رَبّكَ منتهاها} أي منتهى علمها.
{إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يخشاها} إنما بعثت لإنذار من يخاف هولها، وهو لا يناسب تعيين الوقت وتخصيص من يخشى لأنه المنتفع به، وعن أبي عمرو ومنذر بالتنوين والإِعمال على الأصل لأنه بمعنى الحال.
{كَأَنَّهُمْ يوم يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُواْ} في الدنيا أو في القبور.
{إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضحاها} أي عشية يوم أو ضحاه كقوله: {إِلاَّ سَاعَةً مّن نَّهَارٍ} ولذلك أضاف الضحى إلى ال {عَشِيَّةً} لأنهما من يوم واحد.
عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة النازعات كان ممن حبسه الله في القيامة حتى يدخل الجنة قدر صلاة المكتوبة». اهـ.